الجمعة - 20 سبتمبر 2024

اسباب قوة المانيا في التنافس الاقتصادي

منذ سنة واحدة
الجمعة - 20 سبتمبر 2024

 



 

اسباب
قوة المانيا في التنافس الاقتصادي

 

مقدماً
نستطيع القول بأن سبب النجاح والتقدم ليست الشركات “العملاقة” كما قد يظن
البعض، فالولايات المتحدة الامريكية لها، حسب قائمة مجلة فورتيون الذي تضم 500 من اكبر
الشركات العالمية، اربع مرات ولليابان ضعف عدد الشركات الكبيرة مقارنة بالمانيا. وحتى
فرنسا تتفوق على المانيا بعدد الشركات “العملاقة”.

 

السبب
الرئيسي لنجاح المانيا المستمر في التصدير يكمن في قوة الشركات ذات الحجم المتوسط ،
او بالاحرى في قوة نخبة من تلك الشركات المسماة بـ “البطلات المخفيات”. فما
يقارب نصف عدد الشركات المصدرة في العالم ذات الحجم  المتوسط هي المانية، وربع صادرات المانيا هي بالضبط
من حصة هذه الشركات.

 

انها
حقاً ظاهرة فريدة في العالم، فالمانيا لها 16 من هذه الشركات لكل مليون نسمة، بالمقابل:
في فرنسا 1,1  في الولايات المتحدة
1,2  وفي اليابان 1,7 شركة لكل مليون نسمة من
سكان البلد. فقط النمسا وسويسرا لهما ما يقارب الـ 14 شركة من هذا الطراز لكل مليون
نسمة، اي ما يضاهي تقريباً عددها في المانيا.

 

ولكن
ما هو سبب وجود هذا العدد الكبير من الشركات “الوسطية” قي المانيا بالتحديد؟

 

هناك
باقة من مؤثرات وعوامل لهذه الظاهرة النادرة، فعلينا لفهم ذلك الرجوع بعيداً الى الوراء
في التاريخ الالماني والذي يفسر في نهاية المطاف قوة المانيا في التصدير.

  

خصوصية
تاريخية

 

على
عكس فرنسا مثلاً، لم تكن ألمانيا حتى نهاية القرن التاسع عشر دولة قومية موحدة، بل
تتكون من دويلات صغيرة مستقلة. فكان اصحاب العمل الذين يرغبون في النمو والتوسع مضطرين
الى “تدويل” نطاق نشاطهم التجاري، اي الرغبة في ايجاد اسواق لبضائعهم خارج
حدود دويلاتهم. فالرغبة في تدويل النطاق التجاري كانت ولا زالت احدى الميزات الرئيسية
للشركات الالمانية. فهي تبدأ بالتصديرقبل مثيلاتها في الدول الاخرى بكثير، حتى  وان كان حجمها اصغر من نظيراتها الاجنبية. فهذه
هي اذاً الارض الخصبة التي  تزدهر فيها ما يسمى
بـ “البطلات المخفيات”.

 

المهارات
التقليدية

 

هناك
في العديد من المناطق الألمانية مهارات يمتد عمرها الى عدة قرون والتي لا زالت تلقي
ضوءها على وقتنا الحاضر. فمنذ زمن طويل تُنتج في شفارتز فالد (الغابة السوداء)
   الواقعة في جنوب غرب المانيا – الساعات
التي تتطلب مهارات عالية في صناعة الالات الدقيقة.

 

فصناعة
الساعات تعتبر لحد اليوم كمفتاح للدخول في العصر الصناعي الحديث. ففي محيط مدينة توتلينجن
الواقعة في اطراف الغابة السوداء توجد اليوم أكثر من 400 شركة لانتاج الأجهزة الطبية،
انبثقت من شركات انتاج الالات الميكانيكية الدقيقة، بعضها ذو تاريخ عريق بانتاج الساعات.

 

 أو لنأخذ مثلاً مدينة غوتنغن. فسنجد هناك 39 شركة
تصنع الات القياس، بعضها تتصدر السوق العالمي في هذا المجال. ولكن ما سبب التفوق في
هذه المدينة بالذات التي لا تقع في الغابة السوداء المذكورة اعلاه؟  التفسير هنا يكمن في الدور القيادي عبر قرون لكلية
علوم الرياضيات في هذه المدينة. فبعض هذه الشركات لا زالت تتبع القواعد التي اكتشفها
عالم الرياضيات الالماني والشهير على النطاق العالمي “كارل فريدريش غاوس”
(1855-1777).

 

فالمانيا
لا زالت اذاً تستخدم القواعد التكنولوجية التي قد يصل تاريخها الى العصور الوسطى، لتحقق
النجاح في القرن الحادي والعشرين. هذا ما يراه احد الرؤساء السابقين لشركة سيمنس.

 

الابتكار
المتميز

 

للتبسيط،
دعونا نأخذ كمؤشرعدد براءات الاختراع التي يمنحها المكتب الاوربي للبراءات.

فألمانيا
لديها من براءات الاختراع، مقارنةً بالنسبة لعدد السكان:

اكثر
من ضعف عدد البراءات الممنوحة لفرنسا

واربعة
اضعافها لايطاليا

وخمسة
اضعافها للمملكة المتحدة

و18
ضعفها لاسبانيا

و56
ضعفها للبرتغال

و110
ضعفها لليونان

 

فقط
سويسرا والسويد يتقدمان المانيا في عدد براءات الاختراع نسبةً لعدد السكان. اذاً فالمانيا
متميزة في مجال الابتكار على النطاق الاوربي، ومثيرة للاعجاب على النطاق العالمي.

 

تكاليف
الانتاج

 

استفادت
الصادرات الالمانية في العقد الاول من القرن الحالي على نطاق واسع من التطور الايجابي
لتكاليف الانتاج، التي ارتفعت باعتدال او تراجعت في هذه الفترة بأستثناء اعوام الازمة
2008/2009 .  ففي حين ارتفعت تكاليف الانتاج
في فرنسا بمعدل 26%  وفي منطقة اليورو ككل بمعدل
22% ، ارتفعت في المانيا بمعدل %6 فقط.

 

المنافسة
الحادة

 

بالاضافة
للمنافسة على النطاق العالمي، ترى ثلث “البطلات المخفيات” ان اقوى منافسيها
هي شركات المانية، وغالباً ما تكون هذه شركات من نفس المنطقة. فالمنافسة الداخلية تساهم
هي ايضاً بشكل كبير بتحفيز وتقوية القدرة الصناعية والتصدير للشركات الالمانية.

 

التجمعات
الصناعية

 

هنا
في المانيا تجمعات صناعية تقليدية تتركز في مناطق معينة مثل صناعة الات القطع في مدينة
سولنغن وصناعة اقلام الرصاص في نورنبرغ، وهناك مناطق اخرى تركزت فيها صناعات حديثة
العهد مثل صناعة الات واجهزة لكسب طاقة الرياح التي نشأت في شمال المانيا. هذه التجمعات
تعني جمع الاخصائيين من ذوي اعلى مستوى للكفاءات على النطاق العالمي في منطقة واحدة  للقيام باقصى قدر من الاداء.

 

تجمعات
اصحاب العمل

 

بالإضافة
إلى التجمعات الصناعية في قطاعات محددة، نجد نوعا اخرا مختلفا من التركيز في مناطق
معينة. فمثلاً توجد في مدينة وندهاغن، التي يبلغ عدد نفوسها 4260 نسمة فقط، ثلاثة شركات
ذو الحجم المتوسط  وبمنتوجات مختلفة، وكل واحدة
منها تتصدر السوق العالمي في فرعها. وهناك امثلة عديدة اخرى لهذه الظاهرة، التي يسببها
التحفيز الناتج من نجاح شركات في نفس المنطقة ومحاولة الاقتداء بها. قد نستطيع تسمية
هذه الظاهرة بـ “العدوى الاجتماعية”، الايجابية طبعاً.

 

التدريب
المهني المزدوج

 

التدريب
المهني المزدوج في قطاعي التجارة والصناعة يعد تقليدا ثقافيا ألمانيا ناجحاً يرجع تاريخه
لعام 1869، وهو فريد من نوعه في العالم، حيث يحوي الجانب النظري في المعهد الدراسي
والممارسة العملية في قطاعات الإنتاج. التدريب يستغرق عادةً سنتين إلى ثلاث سنوات ونصف،
يحصل الشباب على الكثير من المعرفة التخصصية التي تعينهم في طريقهم العملي.

 

التدريب
المهني في ألمانيا مفتوح أمام جميع الشباب ممن حصلوا على شهادة المرحلة المتوسطة او
الثانوية. المميز في ذلك: يمكن للشباب الجمع بين التدريب في شركة مع الدراسة النظرية
في مدرسة مهنية، ولهذا يسمى بالتدريب المهني المزدوج.

 

وحالياً
يمكن للشباب الاختيار بين 344 مهنة في قطاع التجارة أو قطاع الحرف اليدوية والمهن الطبية
وغيرها. وهذا ما تستفيد منه الشركات، حيث يحصل المتدربون على المعلومات التي يحتاجوها
في عملهم، الذي يمكنهم الشروع به بعد انهاء التدريب مباشرةً.  حالياً يتدرب حوالي 1,5 مليون شاب في ألمانيا وفق
هذا النظام.

 

الموقع
الجغرافي الاستراتيجي

 

لالمانيا
موقعا جيوستراتيجيا ممتازاً، مقارنة مثلاً بامريكا واليابان. فاصحاب الاعمال الالمان
يستطيعون الاتصال هاتفياً باليابان وكاليفورنيا اثناء ساعات الدوام العادية. بينما
الاتصال بين امريكا واسيا ليس سهلاً بسبب فرق التوقيت من 10 الى 12 ساعة. هذا بالاضافة
الى قصر مسافة السفر بين المانيا وبين اهم مراكز العمل والتجارة في العالم، مقارنة
بالمسافة التي يتوجب على الامريكان واليابانيين والصينيين قطعها. وحتى بالنسبة لاوربا
فالمانيا تقع في وسطها.

 

لغة
الزبائن

 

التعامل
التجاري الدولي يحتاج دوماً الى توسيع الافق الثقافية. وكما يقال فان “افضل لغة
في المعاملات التجارية هي لغة الزبون”. واللغة هنا لا تعني فقط اللغة بالمعنى
المألوف، بقدر ماتعنيه من فهم ما يقصده ويحتاجه الزبائن وتفهم خلفيتهم الثقافية وبالتالي
طريقة تفكيرهم. مقارنة بالدول الصناعية الكبرى الاخرى تحتل المانيا بلا شك احد المقاعد
الامامية في هذا المجال.

 

المصادر:

  هرمان سيمون: البطلات المخفيات ـ الرحيل الى العولمة
/ بالالمانية

2ـ بلانيت
فسّن: تطور الصناعة في المانيا / بالالمانية

  دويجة فيلاّ: مثال يحتذى في العالم: التدريب المهني
المزدوج في المانيا / بالعربية

 

 سج